الذين توقعوا أو يتوقعون لهذه اللعبة التي تسمى مفاوضات سلام أن تتوقف في ظل تسلم نتنياهو للسلطة لا يعرفون أسرار السياسة في هذه المنطقة، فهنا أطراف كثيرة ليس من بينها من يريد لها أن تتوقف، وتذكروا أن بعض هذا الجدل الذي ثار خلال الأسابيع الأخيرة قد تكرر من قبل عندما وصل ذات الرجل إلى السلطة عام 1996، لكن الرجل الذي عرف بتشدده لم يوقف المسيرة "الأوسلوية" التي سبق أن عارضها، بل استمر في التعامل معها حتى خروجه من السلطة عام 1999، ولو بقدر من المماحكة والتعطيل.
"
المؤكد أن الولايات المتحدة وإلى جانبها معظم العواصم الغربية القريبة منها، كانت ولا تزال حريصة على استمرار لعبة المفاوضات, والسبب أن استمرارها يشكل ضرورة لجميع الفرقاء
"
ثم ما لبث الجدل المذكور أن تكرر مرة أخرى عام 2001 عندما انتقل شارون، صاحب الشرارة التي أشعلت انتفاضة الأقصى من المعارضة إلى السلطة، وهو الذي كان يوصف بالبلدوزر كناية عن تشدده، ليدور الزمن ويأخذ قرار الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، ثم يضيق بتشدد نتنياهو وأصحابه، تاركا لهم حزب الليكود ومعلنا تأسيس حزب جديد (كاديما) قبل أن يدخل في غيبوبته ويتركه لإيهود أولمرت.
من المؤكد أن الولايات المتحدة -وإلى جانبها معظم العواصم الغربية القريبة منها- كانت ولا تزال حريصة كل الحرص على استمرار هذه اللعبة، لكن الموقف لا يختلف كثيرا في الحالة العربية، معظم الدول العربية، كما لا يختلف هذه الأيام في الحالة الفلسطينية، والسبب أن استمرارها يشكل ضرورة لجميع الفرقاء، وكل التهديدات والشروط التي سمعناها وسنسمعها هي محض ألعاب دبلوماسية لا تغير في حقائق الواقع شيئا.
قيادة السلطة اليوم هي الأكثر حرصا من أي طرف آخر على استمرار اللعبة، حتى لو كان ليبرمان هو رئيس الوزراء في الدولة العبرية، لأن الإعلان عن فشلها وعدم جدواها سيضعها مباشرة أمام سؤال البديل، وليس ثمة عاقل يمكن أن يأتي ببديل غير الانتفاضة، سواء أكانت سلمية يموت الفلسطينيون خلالها وحدهم كما في الانتفاضة الأولى، بينما تكتفي دولة الاحتلال بتحمل "الحرج السياسي" الذي ثبتت قدرتها على احتماله ما دام العالم على هذا المستوى من الانحياز إليها، أم كانت انتفاضة مسلحة، في وقت تعتقد فيه القيادة الرشيدة بأن السلاح نوع من العبث، وأن فلسطين لا تستحق التضحية بأرواح الآلاف من الفلسطينيين.
هنا نفتح قوسا لنقول إن فكرة الانتفاضة السلمية إذا كانت مشفوعة بحلّ السلطة وحرمان الاحتلال من المزايا السياسية والأمنية والاقتصادية التي حصل عليها في ظل سلطة أوسلو، هي فكرة جيدة، ويمكن لقوى المقاومة الإسلامية أن توافق عليها، لكنها ستفضل بالتأكيد خيار المقاومة المسلحة، مع إمكانية موافقتها على نمط مقاومة يستجيب للشروط الدولية كما يسمونها، أعني مقاومة ضد جنود الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 67، إذا كان ذلك سبيلا لتحقيق الإجماع على برنامج دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط.
الشعب الفلسطيني بالطبع لن يقبل من قيادة السلطة في حال توقف المفاوضات أن تكتفي ببقاء سلطة الأمن والمعونات القائمة (يسميها البعض دولة مؤقتة)، مع انتظار الضغوط الدولية على الدولة العبرية، وإن مرر ذلك لبعض الوقت، فإن صبره لن يطول.
"
الغربيون لن يسمحوا لنتنياهو بأن يقلب المنطقة رأسا على عقب في وجه الجميع، وعلى نحو يجعل الحركات الأصولية سيدة الموقف دون منازع، الأمر الذي لن يهدد مصالح الدولة العبرية فحسب، بل سيهدد مصالح الأنظمة العربية وبالتالي مصالحهم هم أيضا
"
الأنظمة العربية -لاسيما تلك التي تشكل مرجعية ما للسلطة العتيدة- لا تريد هذا المسار الأخير، أعني مسار المقاومة، وتفضل المسار الأول من دون شك، لأن المراوحة في القضية الفلسطينية، واستمرار المبادرات والمشاريع والمفاوضات (مع بقاء السلطة/الدولة) هي لعبة يمكن التعايش معها لسنوات، بل لعقود أخرى كما وقع منذ احتلال عام 67، بينما سيكون من الصعب التعايش مع انتفاضة جديدة في زمن ثورة الفضائيات وخطاب الإسلام المتشدد الذي أدمن الحديث عن الجهاد والاستشهاد، وفي ظل شارع متدين مدجج بحب فلسطين والانحياز إلى قضيتها، بل ومدجج أيضا برفض استئثار نخب بعينها بالسلطة والثروة في بلاده.
الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة يدركون ذلك كله، وهم لن يسمحوا لنتنياهو بأن يقلب المنطقة رأسا على عقب في وجه الجميع، وعلى نحو يجعل الحركات الأصولية سيدة الموقف دون منازع، الأمر الذي لن يهدد مصالح الدولة العبرية فحسب، بل سيهدد مصالح الأنظمة العربية وبالتالي مصالحهم هم أيضا. ولا شك في أن إستراتيجية أوباما القائمة على استيعاب إيران، أو مواجهتها إذا لم تستجب للشروط، تتطلب تجييش الأنظمة العربية ضدها، وهو ما لن يحدث في حال تواصل الانحياز الأميركي إلى نتنياهو رغم تنكره لمسيرة التسوية.
هؤلاء إذن لن يسمحوا لنتنياهو بمغامرة من هذا النوع، فكيف إذا كانوا ينسجمون في هذا الرأي مع قادة الرأي اليهودي في العالم الغربي، والذين يدركون ما تعنيه انتفاضة جديدة من تداعيات على دولتهم الأم، هم الذين جربوا تداعيات حرب ربيع العام 2002، وعلى رأسها معركة مخيم جنين البطولية (يومها قال 59% من الأوروبيين إن الدولة العبرية هي الأخطر على السلام العالمي بحسب استطلاع للاتحاد الأوروبي)، ومن ثم تداعيات المعركة الأخيرة في قطاع غزة، وهو إدراك يشاركهم فيه قطاع عريض من المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية، إلى جانب قطاع واسع من المجتمع الإسرائيلي الذي ملّ الحروب ويريد العيش بسلام، حتى لو تمسك بالأكثر تطرفا كتعبير عن حالة الخوف التي تتملكه.
نتيناهو بدوره ليس غبيا إلى هذا الحد، فقد كان سفيرا في الولايات المتحدة ويدرك حساسيات الموقف الدولي، كما يدرك تحولات السياسة الدولية وعموم المشهد وتعقيداته، ومعه حكاية السلام الاقتصادي لن تمر على أحد، كما يدرك أن مجتمعه ليس في وارد احتمال حرب جديدة، لا ضد حماس في قطاع غزة، ولا ضد الضفة الغربية إذا اندلعت انتفاضة جديدة قد تودي بالسلطة وتعيد الاحتلال الكامل بكل تبعاته السياسية والأمنية والاقتصادية.
في هذا السياق تابعنا تصريحات نتنياهو للصحافة الأميركية التي وعد من خلالها باحترام تعهدات الحكومات السابقة، بل تابعنا أيضا تصريحات ليبرمان التي أكد فيها تأييده لدولة فلسطينية ولعرب 48 إذا احترموا الدولة ومؤسساتها.
"
لا مجال لمسار آخر غير استمرار المفاوضات، وإذا مضت اللعبة وفق ما يريده معسكر أوباما ومعه صهاينة الولايات المتحدة ذوو الخبرة والتجربة، فسيجري استغلال القيادة الفلسطينية الحالية الأكثر قابلية لتقديم التنازلات
"
من هنا لا مجال لمسار آخر غير استمرار المفاوضات، وإذا مضت اللعبة وفق ما يريده معسكر أوباما، ومعه صهاينة الولايات المتحدة ذوو الخبرة والتجربة (تعيين دينس روس مستشارا لهيلاري كلينتون دليل على ذلك)، فسيجري استغلال القيادة الفلسطينية الحالية، الأكثر قابلية لتقديم التنازلات كما أكدت ذلك خلال المفاوضات الماضية التي كان يمكنها التوصل إلى صفقة لولا عقدة القدس الشرقية، ومن خلفها -أعني السلطة- أنظمة عربية متراجعة يمكنها تمرير ما سبق أن رفضت تمريره في قمة كامب ديفد صيف العام 2000.. سيجري استغلال ذلك كله في سياق صفقة تخدم الرؤية الإسرائيلية في السلام والأمن، بينما لا تقدم للفلسطينينين غير دولة منقوصة السيادة، مقطعة الأوصال على أجزاء من الأراضي المحتلة عام 67، من دون عودة اللاجئين. وعندما يفتح جورج ميتشل مكتبا دائما له في القدس، فهو يؤكد بذلك أنه قادم لتحقيق تسوية وليس لمجرد تكرار المحاولات السابقة.
هي صفقة قد يكون بوسعهم تمريرها في ضوء المعطيات المشار إليها، وإن بقيت المعضلة هي قطاع غزة وسيطرة حماس عليه، الأمر الذي لا بد من معالجته بشكل سريع بأي وسيلة.
لكن النجاح المذكور لا يعني أننا سنكون إزاء صفقة يمكن أن تستقر، ففي ظل هذه الصحوة الشعبية -الفلسطينية والعربية والإسلامية- سيكون من الصعب تحقيق ذلك، والصفقات المشبوهة عموما ما تلبث أن تذروها الرياح، ليعود القطار إلى سكته الحقيقية، سكة المقاومة والبطولة، الوحيدة القادرة على إنجاز التحرير واستعادة الكرامة.
"
المؤكد أن الولايات المتحدة وإلى جانبها معظم العواصم الغربية القريبة منها، كانت ولا تزال حريصة على استمرار لعبة المفاوضات, والسبب أن استمرارها يشكل ضرورة لجميع الفرقاء
"
ثم ما لبث الجدل المذكور أن تكرر مرة أخرى عام 2001 عندما انتقل شارون، صاحب الشرارة التي أشعلت انتفاضة الأقصى من المعارضة إلى السلطة، وهو الذي كان يوصف بالبلدوزر كناية عن تشدده، ليدور الزمن ويأخذ قرار الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، ثم يضيق بتشدد نتنياهو وأصحابه، تاركا لهم حزب الليكود ومعلنا تأسيس حزب جديد (كاديما) قبل أن يدخل في غيبوبته ويتركه لإيهود أولمرت.
من المؤكد أن الولايات المتحدة -وإلى جانبها معظم العواصم الغربية القريبة منها- كانت ولا تزال حريصة كل الحرص على استمرار هذه اللعبة، لكن الموقف لا يختلف كثيرا في الحالة العربية، معظم الدول العربية، كما لا يختلف هذه الأيام في الحالة الفلسطينية، والسبب أن استمرارها يشكل ضرورة لجميع الفرقاء، وكل التهديدات والشروط التي سمعناها وسنسمعها هي محض ألعاب دبلوماسية لا تغير في حقائق الواقع شيئا.
قيادة السلطة اليوم هي الأكثر حرصا من أي طرف آخر على استمرار اللعبة، حتى لو كان ليبرمان هو رئيس الوزراء في الدولة العبرية، لأن الإعلان عن فشلها وعدم جدواها سيضعها مباشرة أمام سؤال البديل، وليس ثمة عاقل يمكن أن يأتي ببديل غير الانتفاضة، سواء أكانت سلمية يموت الفلسطينيون خلالها وحدهم كما في الانتفاضة الأولى، بينما تكتفي دولة الاحتلال بتحمل "الحرج السياسي" الذي ثبتت قدرتها على احتماله ما دام العالم على هذا المستوى من الانحياز إليها، أم كانت انتفاضة مسلحة، في وقت تعتقد فيه القيادة الرشيدة بأن السلاح نوع من العبث، وأن فلسطين لا تستحق التضحية بأرواح الآلاف من الفلسطينيين.
هنا نفتح قوسا لنقول إن فكرة الانتفاضة السلمية إذا كانت مشفوعة بحلّ السلطة وحرمان الاحتلال من المزايا السياسية والأمنية والاقتصادية التي حصل عليها في ظل سلطة أوسلو، هي فكرة جيدة، ويمكن لقوى المقاومة الإسلامية أن توافق عليها، لكنها ستفضل بالتأكيد خيار المقاومة المسلحة، مع إمكانية موافقتها على نمط مقاومة يستجيب للشروط الدولية كما يسمونها، أعني مقاومة ضد جنود الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 67، إذا كان ذلك سبيلا لتحقيق الإجماع على برنامج دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط.
الشعب الفلسطيني بالطبع لن يقبل من قيادة السلطة في حال توقف المفاوضات أن تكتفي ببقاء سلطة الأمن والمعونات القائمة (يسميها البعض دولة مؤقتة)، مع انتظار الضغوط الدولية على الدولة العبرية، وإن مرر ذلك لبعض الوقت، فإن صبره لن يطول.
"
الغربيون لن يسمحوا لنتنياهو بأن يقلب المنطقة رأسا على عقب في وجه الجميع، وعلى نحو يجعل الحركات الأصولية سيدة الموقف دون منازع، الأمر الذي لن يهدد مصالح الدولة العبرية فحسب، بل سيهدد مصالح الأنظمة العربية وبالتالي مصالحهم هم أيضا
"
الأنظمة العربية -لاسيما تلك التي تشكل مرجعية ما للسلطة العتيدة- لا تريد هذا المسار الأخير، أعني مسار المقاومة، وتفضل المسار الأول من دون شك، لأن المراوحة في القضية الفلسطينية، واستمرار المبادرات والمشاريع والمفاوضات (مع بقاء السلطة/الدولة) هي لعبة يمكن التعايش معها لسنوات، بل لعقود أخرى كما وقع منذ احتلال عام 67، بينما سيكون من الصعب التعايش مع انتفاضة جديدة في زمن ثورة الفضائيات وخطاب الإسلام المتشدد الذي أدمن الحديث عن الجهاد والاستشهاد، وفي ظل شارع متدين مدجج بحب فلسطين والانحياز إلى قضيتها، بل ومدجج أيضا برفض استئثار نخب بعينها بالسلطة والثروة في بلاده.
الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة يدركون ذلك كله، وهم لن يسمحوا لنتنياهو بأن يقلب المنطقة رأسا على عقب في وجه الجميع، وعلى نحو يجعل الحركات الأصولية سيدة الموقف دون منازع، الأمر الذي لن يهدد مصالح الدولة العبرية فحسب، بل سيهدد مصالح الأنظمة العربية وبالتالي مصالحهم هم أيضا. ولا شك في أن إستراتيجية أوباما القائمة على استيعاب إيران، أو مواجهتها إذا لم تستجب للشروط، تتطلب تجييش الأنظمة العربية ضدها، وهو ما لن يحدث في حال تواصل الانحياز الأميركي إلى نتنياهو رغم تنكره لمسيرة التسوية.
هؤلاء إذن لن يسمحوا لنتنياهو بمغامرة من هذا النوع، فكيف إذا كانوا ينسجمون في هذا الرأي مع قادة الرأي اليهودي في العالم الغربي، والذين يدركون ما تعنيه انتفاضة جديدة من تداعيات على دولتهم الأم، هم الذين جربوا تداعيات حرب ربيع العام 2002، وعلى رأسها معركة مخيم جنين البطولية (يومها قال 59% من الأوروبيين إن الدولة العبرية هي الأخطر على السلام العالمي بحسب استطلاع للاتحاد الأوروبي)، ومن ثم تداعيات المعركة الأخيرة في قطاع غزة، وهو إدراك يشاركهم فيه قطاع عريض من المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية، إلى جانب قطاع واسع من المجتمع الإسرائيلي الذي ملّ الحروب ويريد العيش بسلام، حتى لو تمسك بالأكثر تطرفا كتعبير عن حالة الخوف التي تتملكه.
نتيناهو بدوره ليس غبيا إلى هذا الحد، فقد كان سفيرا في الولايات المتحدة ويدرك حساسيات الموقف الدولي، كما يدرك تحولات السياسة الدولية وعموم المشهد وتعقيداته، ومعه حكاية السلام الاقتصادي لن تمر على أحد، كما يدرك أن مجتمعه ليس في وارد احتمال حرب جديدة، لا ضد حماس في قطاع غزة، ولا ضد الضفة الغربية إذا اندلعت انتفاضة جديدة قد تودي بالسلطة وتعيد الاحتلال الكامل بكل تبعاته السياسية والأمنية والاقتصادية.
في هذا السياق تابعنا تصريحات نتنياهو للصحافة الأميركية التي وعد من خلالها باحترام تعهدات الحكومات السابقة، بل تابعنا أيضا تصريحات ليبرمان التي أكد فيها تأييده لدولة فلسطينية ولعرب 48 إذا احترموا الدولة ومؤسساتها.
"
لا مجال لمسار آخر غير استمرار المفاوضات، وإذا مضت اللعبة وفق ما يريده معسكر أوباما ومعه صهاينة الولايات المتحدة ذوو الخبرة والتجربة، فسيجري استغلال القيادة الفلسطينية الحالية الأكثر قابلية لتقديم التنازلات
"
من هنا لا مجال لمسار آخر غير استمرار المفاوضات، وإذا مضت اللعبة وفق ما يريده معسكر أوباما، ومعه صهاينة الولايات المتحدة ذوو الخبرة والتجربة (تعيين دينس روس مستشارا لهيلاري كلينتون دليل على ذلك)، فسيجري استغلال القيادة الفلسطينية الحالية، الأكثر قابلية لتقديم التنازلات كما أكدت ذلك خلال المفاوضات الماضية التي كان يمكنها التوصل إلى صفقة لولا عقدة القدس الشرقية، ومن خلفها -أعني السلطة- أنظمة عربية متراجعة يمكنها تمرير ما سبق أن رفضت تمريره في قمة كامب ديفد صيف العام 2000.. سيجري استغلال ذلك كله في سياق صفقة تخدم الرؤية الإسرائيلية في السلام والأمن، بينما لا تقدم للفلسطينينين غير دولة منقوصة السيادة، مقطعة الأوصال على أجزاء من الأراضي المحتلة عام 67، من دون عودة اللاجئين. وعندما يفتح جورج ميتشل مكتبا دائما له في القدس، فهو يؤكد بذلك أنه قادم لتحقيق تسوية وليس لمجرد تكرار المحاولات السابقة.
هي صفقة قد يكون بوسعهم تمريرها في ضوء المعطيات المشار إليها، وإن بقيت المعضلة هي قطاع غزة وسيطرة حماس عليه، الأمر الذي لا بد من معالجته بشكل سريع بأي وسيلة.
لكن النجاح المذكور لا يعني أننا سنكون إزاء صفقة يمكن أن تستقر، ففي ظل هذه الصحوة الشعبية -الفلسطينية والعربية والإسلامية- سيكون من الصعب تحقيق ذلك، والصفقات المشبوهة عموما ما تلبث أن تذروها الرياح، ليعود القطار إلى سكته الحقيقية، سكة المقاومة والبطولة، الوحيدة القادرة على إنجاز التحرير واستعادة الكرامة.